كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



(قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ خُطْبَةٍ إلَخْ) وَلِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ.
(وَالرَّابِعُ قِرَاءَةُ آيَةٍ) مُفْهِمَةٍ لَا كَـ: {ثُمَّ نَظَرَ}، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِحُكْمٍ مَنْسُوخٍ أَوْ قِصَّةٍ لَا بَعْضُ آيَةٍ، وَإِنْ طَالَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ سُورَةَ ق فِي كُلِّ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ» وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي بَدَلِ الْفَاتِحَةِ بِغَيْرِ الْمُفْهِمَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ، ثَمَّ إنَابَةُ لَفْظٍ مَنَابَ آخَرَ وَهُنَا الْمَعْنَى غَالِبًا (وَفِي إحْدَاهُمَا) لِثُبُوتِ أَصْلِ الْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَحَلِّهَا فَدَلَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا فِي إحْدَاهُمَا وَيُسَنُّ كَوْنُهَا فِي الْأُولَى بَلْ يُسَنُّ بَعْدَ فَرَاغِهَا سُورَةُ ق دَائِمًا لِلِاتِّبَاعِ وَيَكْفِي فِي أَصْلِ السُّنَّةِ قِرَاءَةُ بَعْضِهَا (وَقِيلَ فِي الْأُولَى) لِتَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ الدُّعَاءِ فِي الثَّانِيَةِ (وَقِيلَ فِيهِمَا) كَالثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ (وَقِيلَ لَا تَجِبُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَعْظُ وَلَا تُجْزِئُ آيَةُ وَعْظٍ أَوْ حَمْدٍ عَنْهُ مَعَ الْقِرَاءَةِ إذْ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يُؤَدَّى بِهِ فَرْضَانِ مَقْصُودَانِ بَلْ عَنْهُ وَحْدَهُ إنْ قَصَدَهُ وَحْدَهُ وَإِلَّا بِأَنْ قَصَدَهُمَا أَوْ الْقِرَاءَةَ أَوْ أَطْلَقَ فَعَنْهَا فَقَطْ فِيمَا يَظْهَرُ فِي الْأَخِيرَةِ، وَلَوْ أَتَى بِآيَاتٍ تَشْتَمِلُ عَلَى الْأَرْكَانِ كُلِّهَا مَا عَدَا الصَّلَاةَ لِعَدَمِ آيَةٍ تَشْتَمِلُ عَلَيْهَا لَمْ تُجْزِئْ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى خُطْبَةً (وَالْخَامِسُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ دُعَاءٍ) أُخْرَوِيٍّ (لِلْمُؤْمِنِينَ)، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمُؤْمِنَاتِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لَهُنَّ لِنَقْلِ الْخَلَفِ لَهُ عَنْ السَّلَفِ (فِي الثَّانِيَةِ)؛ لِأَنَّ الْأَوَاخِرَ بِهِ أَلْيَقُ وَيَكْفِي تَخْصِيصُهُ بِالسَّامِعِينَ كَرَحِمَكُمْ اللَّهُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَكْفِي تَخْصِيصُهُ بِالْغَائِبِينَ (وَقِيلَ: لَا يَجِبُ) وَانْتَصَرَ لَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ لِسُلْطَانٍ بِعَيْنِهِ حَيْثُ لَا مُجَازَفَةَ فِي وَصْفِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِصِفَةٍ كَاذِبَةٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ لِوُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَجُيُوشِهِمْ بِالصَّلَاحِ وَالنَّصْرِ وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَوَقَعَ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّ ذِكْرَ الصَّحَابَةِ وَالْخُلَفَاءِ وَالسَّلَاطِينِ بِدْعَةٌ غَيْرُ مَحْبُوبَةٍ وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ الدُّعَاءُ لِأَكَابِرِ الْأُمَّةِ وَوُلَاتِهَا وَهُوَ مَطْلُوبٌ وَقَدْ تَكُونُ الْبِدْعَةُ وَاجِبَةً أَوْ مَنْدُوبَةً قِيلَ بَلْ يَتَعَيَّنُ الدُّعَاءُ لِلصَّحَابَةِ بِمَحَلٍّ بِهِ مُبْتَدِعَةٌ إنْ أُمِنَتْ الْفِتْنَةُ وَثَبَتَ أَنَّ أَبَا مُوسَى وَهُوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ كَانَ يَدْعُو لِعُمَرَ قَبْلَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ عُمَرَ فَشَكَا إلَيْهِ فَاسْتَحْضَرَ الْمُنْكِرُ فَقَالَ: إنَّمَا أَنْكَرْتُ تَقْدِيمَك عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَكَى وَاسْتَغْفَرَ وَالصَّحَابَةُ حِينَئِذٍ مُتَوَفِّرُونَ، وَهُمْ لَا يَسْكُتُونَ عَلَى بِدْعَةٍ إلَّا إذَا شَهِدَتْ لَهَا قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَقَدْ سَكَتُوا هُنَا إذْ لَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ الدُّعَاءَ بَلْ التَّقْدِيمَ فَقَطْ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ عَبْدَك وَخَلِيفَتَك عَلِيًّا أَهْلَ الْحَقِّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ قِيلَ إنَّ الدُّعَاءَ لِلسُّلْطَانِ وَاجِبٌ لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ الْفِتْنَةِ غَالِبًا لَمْ يَبْعُدْ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي قِيَامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَوُلَاةُ الصَّحَابَةِ يُنْدَبُ الدُّعَاءُ لَهُمْ قَطْعًا وَكَذَا بَقِيَّةُ وُلَاةِ الْعَدْلِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَالْوُلَاةُ الْمُخَلَّطُونَ بِمَا فِيهِمْ مِنْ الْخَيْرِ مَكْرُوهٌ إلَّا لِخَشْيَةِ فِتْنَةٍ وَبِمَا لَيْسَ فِيهِمْ لَا تَوَقُّفَ فِي حُرْمَتِهِ إلَّا لِفِتْنَةٍ فَيَسْتَعْمِلُ التَّوْرِيَةَ مَا أَمْكَنَهُ، وَذِكْرُ الْمَنَاقِبِ لَا يَقْطَعُ الْوَلَاءَ مَا لَمْ يُعَدَّ بِهِ مُعْرِضًا عَنْ الْخُطْبَةِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي الدُّعَاءِ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ بِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَقْطَعْ نَظْمَ الْخُطْبَةِ عُرْفًا وَفِي التَّوَسُّطِ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُطِيلَهُ إطَالَةً تَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْخُطَبَاءِ الْجُهَّالِ.
وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي خَوْفِ الْفِتْنَةِ غَلَبَةُ الظَّنِّ رَادًّا بِذَلِكَ اشْتِرَاطَ الْمُصَنِّفِ لَهُ فِي تَرْكِ لُبْسِ السَّوَادِ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا) أَيْ الْأَرْكَانِ دُونَ مَا عَدَاهَا (عَرَبِيَّةً) لِلِاتِّبَاعِ نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يُحْسِنُهَا وَلَمْ يُمْكِنْ تَعَلُّمُهَا قَبْلَ ضِيقِ الْوَقْتِ خَطَبَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ بِلِسَانِهِمْ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَعَلُّمُهَا وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ، فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ إمْكَانِ تَعَلُّمِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ عَصَوْا كُلُّهُمْ وَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ بَلْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَتَغْلِيظُ الْإِسْنَوِيِّ لِقَوْلِ الرَّوْضَةِ كُلٌّ هُوَ الْغَلَطُ فَإِنَّ التَّعَلُّمَ فَرْضُ كِفَايَةٍ يُخَاطَبُ بِهِ الْكُلُّ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَفَائِدَتُهَا بِالْعَرَبِيَّةِ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ لَهَا الْعِلْمُ بِالْوَعْظِ فِي الْجُمْلَةِ قَالَهُ الْقَاضِي وَنَظَرَ فِيهِ شَارِحٌ بِمَا لَا يَصِحُّ.
وَأَمَّا إيجَابُهُ أَعْنِي الْقَاضِيَ فَهْمَ الْخَطِيبِ لِأَرْكَانِهَا فَمَرْدُودٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى الْقِرَاءَةِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ هُوَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِمْ وَيُشْتَرَطُ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَمَدِ الْآتِي قَرِيبًا كَوْنُهَا (مُرَتَّبَةَ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ) فَيَبْدَأُ بِالْحَمْدِ فَالصَّلَاةِ فَالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْأَخِيرَيْنِ وَلَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ (وَ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَوْنُهَا (بَعْدَ الزَّوَالِ) لِلِاتِّبَاعِ (وَ) يُشْتَرَطُ (الْقِيَامُ فِيهِمَا إنْ قَدَرَ) بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي قِيَامِ فَرْضِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ عَجَزَ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ، ثُمَّ جَلَسَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَخْلِفَ، فَإِنْ عَجَزَ فَكَمَا مَرَّ، ثُمَّ (وَالْجُلُوسُ) مَعَ الطُّمَأْنِينَةِ فِيهِ (بَيْنَهُمَا) لِلِاتِّبَاعِ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَيَجِبُ عَلَى نَحْوِ الْجَالِسِ الْفَصْلُ بِسَكْتَةٍ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا الِاضْطِجَاعُ وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُطْبَةِ بَلْ عَدَمُ الصَّارِفِ فِيمَا يَظْهَرُ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ لَمْ يَجْلِسْ حُسِبَتَا وَاحِدَةً فَيَجْلِسُ وَيَأْتِي بِثَالِثَةٍ أَيْ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَإِلَّا فَهِيَ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّ الَّتِي كَانَتْ ثَانِيَةً صَارَتْ بَعْضًا مِنْ الْأُولَى فَلَا نَظَرَ فِي كَلَامِهَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ نَعَمْ إنْ كَانَ النَّظَرُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إطْلَاقُهُ الثَّانِيَةَ الشَّامِلَةَ لِنَحْوِ الدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ فَلَهُ اتِّجَاهٌ مِنْ حَيْثُ بُعْدُ إلْحَاقِهِ بِالْأُولَى مَعَ الْإِجْمَاعِ الْفِعْلِيِّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَحَلِّهِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ وَقَعَ تَابِعًا فَاغْتُفِرَ (وَإِسْمَاعُ أَرْبَعِينَ) أَيْ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ وَهُوَ لَا يُشْتَرَطُ إسْمَاعُهُ وَلَا سَمَاعُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَصَمَّ يَفْهَمُ مَا يَقُولُ (كَامِلِينَ) مِمَّنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْأَرْكَانُ لَا جَمِيعُ الْخُطْبَةِ وَيُعْتَبَرُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا سَمَاعُهُمْ لَهَا بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ فَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى أَرْبَعِينَ بَعْضُهُمْ صُمٌّ وَلَا تَصِحُّ مَعَ وُجُودِ لَغَطٍ يَمْنَعُ سَمَاعَ رُكْنٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِيهِمَا، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا إلَّا الْحُضُورَ فَقَطْ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَلَا يُشْتَرَطُ طُهْرُهُمْ وَلَا كَوْنُهُمْ بِمَحَلِّ الصَّلَاةِ وَلَا فَهْمُهُمْ لِمَا يَسْمَعُونَهُ كَمَا تَكْفِي قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ مِمَّنْ لَا يَفْهَمُهَا.
(وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ) يَعْنِي الْحَاضِرِينَ سَمِعُوا أَوْ لَا وَيَصِحُّ رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلْأَرْبَعِينَ الْكَامِلِينَ وَيُسْتَفَادُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ عَلَى مِثْلِهِمْ وَغَيْرِهِ بِالْمُسَاوَاةِ أَوْ الْأُولَى وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ تَفْصِيلُ الْقَدِيمِ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ (الْكَلَامِ) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بَلْ يُكْرَهُ لِمَا فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّاعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ» وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ فِي: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْخُطْبَةُ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّغْوِ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَشْهُورِ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ وَاعْتُرِضَ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ تَكَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي مَوْضِعٍ وَلَا حُرْمَةَ حِينَئِذٍ قَطْعًا أَوْ قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَوْ أَنَّهُ مَعْذُورٌ بِجَهْلِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةٌ قَوْلِيَّةٌ وَالِاحْتِمَالُ يَعُمُّهَا وَإِنَّمَا الَّذِي يَسْقُطُ بِالِاحْتِمَالِ الْوَاقِعَةُ الْفِعْلِيَّةُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ، فَإِنْ قُلْت هَذِهِ فِعْلِيَّةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّهُ بِعَدَمِ إنْكَارِهِ عَلَيْهِ قُلْت مَمْنُوعٌ بَلْ جَوَابُهُ لَهُ قَوْلٌ مُتَضَمِّنٌ لِجَوَازِ سُؤَالِهِ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَ فَكَانَتْ قَوْلِيَّةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَلَا يَحْرُمُ قَطْعًا الْكَلَامُ عَلَى خَطِيبٍ وَلَا عَلَى مَنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي مَوْضِعٍ كَمَا تَقَرَّرَ وَلَا حَالَ الدُّعَاءِ لِلْمُلُوكِ عَلَى مَا فِي الْمُرْشِدِ وَلَا عَلَى سَامِعٍ خَشِيَ وُقُوعَ مَحْذُورٍ بِغَافِلٍ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ عَيْنًا إنْ انْحَصَرَ الْأَمْرُ فِيهِ وَظَنَّ وُقُوعَهُ بِهِ لَوْلَا تَنْبِيهُهُ أَنْ يُنَبِّهَهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلِمَ غَيْرُهُ خَيْرًا نَاجِزًا أَوْ نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ بَلْ قَدْ يَجِبُ فِي هَذَيْنِ أَيْضًا إنْ كَانَ التَّعْلِيمُ لِوَاجِبٍ مُضَيَّقٍ وَالنَّهْيِ عَنْ مُحَرَّمٍ وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى إشَارَةٍ كَفَتْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخَيْرَ وَالنَّهْيَ الْغَيْرَ الْوَاجِبَيْنِ لَا يُسَنَّانِ، وَلَوْ قِيلَ بِسُنِّيَّتِهِمَا إنْ حَصَلَا بِكَلَامٍ يَسِيرٍ لَمْ يَبْعُدْ كَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ بَلْ أَوْلَى.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: وَالرَّابِعُ قِرَاءَةُ آيَةٍ) هَلْ تُجْزِئُ مَعَ لَحْنٍ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ يُتَّجَهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ عَاجِزٍ انْحَصَرَ الْأَمْرُ فِيهِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ الْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ كَانَ حُكْمُهُ كَالْمُصَلِّي الَّذِي لَمْ يُحْسِنْ الْفَاتِحَةَ وَهَلْ يُجْزِئُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ حَتَّى إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْحَمْدَ أَتَى بَدَلَهُ بِذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ مَثَلًا، ثُمَّ وَقَفَ بِقَدْرِهِ فِيهِ نَظَرٌ وَمَالَ م ر إلَى عَدَمِ جَرَيَانِ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ بَلْ يَسْقُطُ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ بِلَا بَدَلٍ وَفِيهِ نَظَرٌ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ بَعْضِ الْخُطْبَةِ وَكُلِّهَا حَتَّى لَوْ لَمْ يُحْسِنْ الْخُطْبَةَ سَقَطَتْ كَالْجُمُعَةِ وَالْكَلَامُ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ آخَرُ يُحْسِنُهَا كُلَّهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ طَالَ) يَنْبَغِي اعْتِمَادُ الِاكْتِفَاءِ بِمَا طَالَ شَرْحُ م ر وَالْمُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا طَالَ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأَ سُورَةَ ق إلَخْ) وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْحَاضِرِينَ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ إلَخْ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِقِرَاءَتِهَا فِي الْجُلُوسِ مَعَ أَنَّهُمْ عَلَى خِلَافِهِ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ كَوْنُهَا فِي الْأُولَى) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ م ر.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا بِأَنْ قَصَدَهُمَا) صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ.
(قَوْلُهُ: وَالْخَامِسُ إلَخْ) لَوْ خَصَّ بِالدُّعَاءِ أَرْبَعِينَ مِنْ الْحَاضِرِينَ فَيَنْبَغِي الْإِجْزَاءُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ انْصَرَفُوا مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ وَهُنَاكَ أَرْبَعُونَ سَامِعُونَ أَيْضًا فَهَلْ تَصِحُّ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِهِمْ يَنْبَغِي الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ صَحَّتْ وَلَا يَضُرُّ انْصِرَافُ الْمَخْصُوصِينَ بِالدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ م ر.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمُؤْمِنَاتِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ يُفْهِمُ إيجَابَهُ لَهُمَا أَيْ إيجَابَ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَجَرَى عَلَيْهِ كَثِيرُونَ وَعَدَدُهُمْ، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ أَنَّهُ يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلْمُؤْمِنَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْنَ. اهـ.
فَإِنْ أَرَادَ بِالتَّعَرُّضِ أَنْ لَا يَقْصِدَ الْخَطِيبُ إخْرَاجَهُنَّ بِأَنْ يُرِيدَ الْمُؤْمِنِينَ الذُّكُورَ فَقَطْ فَوَاضِحٌ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَرَادَ تَعَيُّنَ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِنَّ وَلَا يَكْتَفِي بِانْدِرَاجِهِنَّ فِي جَمْعِ الْمُؤْمِنِينَ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ مُرَادًا بِهِ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لِجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ صَحِيحٌ لُغَةً وَاسْتِعْمَالًا فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْخَطِيبُ خِلَافَ ذَلِكَ كُنَّ دَاخِلَاتٍ فِيهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّصْرِيحِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِنَّ بِخُصُوصِهِنَّ. اهـ.
فَلْيُنْظَرْ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِمْ وَيَكْفِي تَخْصِيصُهُ بِالسَّامِعِينَ كَرَحِمِكُمْ اللَّهُ فَإِنَّ السَّامِعِينَ قَدْ يَتَمَحَّضُونَ ذُكُورًا وَلَيْسَ فِي تَخْصِيصِهِمْ تَعَرُّضٌ لِلْمُؤْمِنَاتِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنَاتِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْخُطْبَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ يَخُصُّ كِفَايَةَ تَخْصِيصِهِ بِالسَّامِعِينَ بِمَا إذَا حَضَرَ الْمُؤْمِنَاتُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ الْأَكْمَلِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إرَادَةُ الذُّكُورِ فَقَطْ، وَإِنْ حَضَرَ الْإِنَاثُ، ثُمَّ رَأَيْت مَا فِي الْحَاشِيَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ وُجُوبُ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنَاتِ أَيْضًا لَكِنْ إنْ كَانَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْخُطْبَةِ خَالَفَ قَوْلَهُمْ يَكْفِي تَخْصِيصُهُ بِالسَّامِعِينَ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا تَمَحَّضُوا ذُكُورًا فَلْيُحَرَّرْ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ) قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الذُّكُورَ فَقَطْ ضَرَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ.
(قَوْلُهُ: لِنَقْلِ الْخَلَفِ لَهُ عَنْ السَّلَفِ) نَقَلَ م ر عَنْ صَاحِبِ الِانْتِصَارِ أَنَّهُ يَجِبُ الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَأَنَّهُ يَكْفِي تَخْصِيصُهُ بِالسَّامِعِينَ. اهـ.
فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: فِي الثَّانِيَةِ) نُقِلَ عَنْ بَعْضِ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى كَانَ مَكْرُوهًا وَأَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ وَأَقُول لَا حَاصِلَ لِهَذَا الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ أَيَّ خُطْبَةٍ قَدَّمَهَا كَانَتْ أُولَى وَالدُّعَاءُ فِيمَا قَدَّمَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ لَا أَثَرَ لَهُ بَلْ لَابُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِيمَا أَخَّرَهُ لِأَنَّهُ الثَّانِيَةَ وِفَاقًا ل (م ر).